الاثنين، 29 نوفمبر 2021

رحلة نبي الله موسى وفتاه مع العبد الصالح

 

سورة الكهف من 60 - 82   
الحمد لله رب العالمين والصلاة على خاتم النبيين والسلام على الأنبياء جميعهم والمرسلين المُكرمين وبعد: 

قصة أعجزت اليهود وردعتهم وأحرجت النبي وعلمته درسا رائعا - إن لا يقول غدا أفعل بل متى شاء الله أفعل , قصة إعجاز باقية بشواهدها الى ما شاء الله, القصة جاءت في 22 آية قرآنية متكاملة انظر الآيات من 60 إلى 82 من سورة الكهف" وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا( الكهف 60)

 فتى موسى هو  يوشع بن نون - يوشع بن أفراهيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام وأهل الكتاب يقولون يوشع ابن عم هود وكان من نَسْل يوسف ـ عليه السلام ـ وكان يتبع موسى ويخدمه ليتعلم منه يقع  قبره في منطقة في ضواحي مدينة السلط الاردنية المحاذية للحدود الفلسطينية من جهة الشرق وتعرف باسم مقام "النبي يوشع"

 والمقصود بالفتى هو خادمه أما القول بفتاه وليس خادمة فذلك من أدب الإسلام و كما ندبت الشريعة إلى ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يقل أحدكم عبدي ولا أمتي وليقل فتاي وفتاتي)  قال موسى لفتاه هذا الكلام، لان الله تعالى أخبره بان عبد أعلم منه أي أكثر علم منه وأخبره الله أن عبدا من عباده يلتقي به عند مجمع البحرين عنده من العلم ما لم يحط به موسى فأحب موسى الرحيل إليه، فقال لفتاه ذلك الكلام { لا أبرح} أي لا أزاال سائراً {حتى أبلغ مجمع البحرين} أي هذا المكان الذي فيه مجمع البحرين،قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ.. }أي: اذكر يا محمد وقت أنْ قال موسى لفتاه، فما حكاية موسى مع فتاه؟ وما مناسبتها للكلام في سورة الكهف 

مناسبة قصة موسى هنا أن كفار مكة بعثوا ليهود المدينة يسألونهم عن خبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم أهل كتاب وأعلم ببعض علوم القصص الغيبي الذي لا يعلمه محمد العربي الأمي، فأرادوا امتحان نبوة محمد: أهي حِقٌّ أم لا ؟ فقال اليهود لوفد مكة : اسألوه عن ثلاثة أشياء، فإن أجابكم فهو نبي: اسألوه عن الفتية الذين ذهبوا في الدهر، والرجل الطواف الذي طاف البلاد، وعن الروح، فما كان من هؤلاء إلا أن سألوا رسول الله هذه الأسئلة، فقال لهم: " في الغد أجيبكم ". 

 لم تكن إجابة هذه الأسئلة عنده، فسكت عليه السلام إلى أن يأتيه الجواب من الله تعالى عن طريق الوحي ،و لكن الايام مرت عن الغد الموعود , مرَّتْ خمسة عشر يوماً دون أن يُوحَى لرسول الله في ذلك شيء، حتى شق الأمر عليه، وفرح الكفار والمنافقون , لأنهم وجدوا على رسول الله مأخذاً فاستغلوا الفرصة لينددوا به ,و لذلك جاءت قصة موسى هنا لتردَّ على مهاترات القوم، جاءت لتقول لليهود أنتم متعصبون لموسى وللتوراة ولليهودية، وهاهو موسى يتعلم ليس من الله، بل يتعلم من عبد مثله، ويسير تابعاً له طلباً للعلم. فيا من مكرتم برسول الله ويا مَنْ لقنتم كفار مكة هذه الأسئلة وأظهرتم الشماتة بمحمد حينما أبطأ عليه الوحي، اعلموا أن محمداً لا يقول شيئاً من عند نفسه، وما هو على الغيب بضنين. ويُقال أن سبب قصة موسى عليه السلام ـ  إنه سأل الله ـ وكان له دلال على ربه وهو كليمه: "رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ.. "[الأعراف: 143] والذي أطمعه في هذا المطلب أن الله كلَّمه:{ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ }[طه: 17] فأطال موسى موسى مدة الأنس بالله والحديث معه سبحانه، لذلك سأله: يا ربّ، أيوجد في الأرض أعلم مني؟ فأجابه ربُّه تبارك وتعالى: نعم في الأرض مَنْ هو أعلم منك، فاذهب إلى مجمع البحرين، وهناك ستجد عبداً من عبيدي هو أعلم منك، فأخذ موسى فتاه وذهب إلى مَجْمع البحرين قوله تعالى : "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ..." وردت كلمة (برح) في قوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام: { فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيۤ أَبِيۤ.. } [يوسف: 80] 

 أما "مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ" كموقع جغرافي فقد قال فيه المفسرون أقوال عده أغلبها تبعد عن مصر ومنها مواقع في العراق وبلاد فارس والمغرب وغيرها والأصح هو ما عُرف عن مكان موسى وقومه ما بين مصر وفلسطين , وعليه وجدنا أن مصادر مصرية مختصة في الاكتشافات الأثرية قالت أن مجمع البحرين هذا يقع بمنطقة رأس محمد بشرم الشيخ عند نقطة التقاء خليج العقبة وخليج السويس بجنوب سيناء  وقالوا أن التوصيف اللغوي لكلمة مجمع البحرين لا ينطبق جغرافياً على أى مكان فى العالم إلا فى رأس محمد وهى مجمع خليجي العقبة والسويس في بحر واحد هو البحر الأحمر ولفظ "مجمع "يختلف عن لفظ "التقاء"

  واعتمادا على برنامج جوجل ارث الرقمي المصور بواسطة الأقمار الصناعية فقد نقل مركز البحوث المصرية صورا عن موقع صخرة "الحوت " كما أدعوا وحددوا نقطة اللقاء

 بين نبى الله موسى والرجل الصالح الخضر عليهما السلام وقالوا : هذه هى الصخرة الوحيدة التي تتوسط طريق الدخول لرأس محمد وتقع فى خط مستقيم فى طريق الوصول لأخر نقطة فى اليابسة فى موقع مجمع البحرين .

 وكما هو موضح بالخريطة فإن المسافة المرجحة التى قطعها الحوت من الصخرة حتى المياه العميقة أما المعلومات الطبوغرافية عن هذا الموقع فتقول :

بلغ المسافة المشار اليها حوالى 2كم والمسافة التى قطعها نبى الله موسى من نفس الصخرة حتى نقطة الارتداد واكتشاف فقدان الحوت توازى نفس المسافة 2كم . ولكشف الممر المائي للحوت الذى ذكره القرآن مرتين فى قوله تعالى (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبا) وفي قوله (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) وفى الآيتين جاء الذكر على اتخاذ الحوت سبيلا للخروج من المياه الضحلة إلى المياه العميقة باتخاذ السبيل وتعنى الطريق وقد وصف القرآن معجزة شق الطريق إلى البحر التي شاءها سبحانه لتحقيق وعده لنبيه وعودة الحياة للحوت .

 هناك مجرى مائى دائم فى منطقة الخليج بمنطقة رأس محمد المشار اليها بالصور المرفقة حيث يبدو الرصيف البحري التي رست عليه سفينة العبد الصالح الخضر وهو ما تم من خلاله تحديد خط سير السفينة و وجهتها ويقع هذا الرصيف على بعد 300م من صخرة اللقاء المفترضة ويجتاز هذا الرصيف الجدار المرجانى على الشاطئ لمسافة 50م حتى الغاطس وعرضه من 6 إلى 8م ويتكون من صخور جرانيت وحجر رملى منقول ويتوسط الرصيف البحرى القديم شاطئ الميناء على الساحل الغربى لرأس محمد والمطل على خليج السويس على شكل نصف دائرة مساحتها حوالى كيلو متر      واحد وعن خط سير سفينة الخضر .

 في قوله تعالى على لسان موسى الحواري بينه وبين فتاه : {أو أمضي حقبا} فذلك معناه ولو أني أسير حقباً من الزمن , والحقبة الزمنية عند العرب هي السنوات ولعلها ما بين70 إلى 80 سنة, إصرارا من موسى على لقاء هذا الرجل الأعلم منه وقوله تعالى : { فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما} فسارا حتى بلغا مجمع البحرين{ فاتخذ سبيله في البحر سربا} أي سقط الحوت في البحر فشق طريقه في الماء سبحا و بسرعة تشق الماء من خلفه .

وقوله : { فلما جاوزا} أي ابتعدا عن المكان الذي نسيا فيه الحوت { قال} موسى {لفتاه آتنا غداءنا }{ قال فتاه {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت، وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا }قال موسى { ذلك ما كنا نبغي } أي هذا هو الذي كنت أريده, فعادا سيرا حتى انتهيا إلى الصخرة، والسبب في قول موسى ان هذا هو مطلبه - اي العودة الى مكان نسيان الحوت - فلأن تلك علامته من ربه للمكان الذي سيجد فيه الرجل المطلوب و على ما قال به ابن عباس والله اعلم انه : ( لما ظهر موسى وقومه على أرض مصر أنزل ق ومه مصر، فلما استقرت بهم الدار أمره الله أن ذكّرهم بأيام الله، "...وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم : 5] فخطب قومه فذكرهم ما آتاهم الله من الخير والنعمة إذ نجاهم من آل فرعون، وأهلك عدوهم، واستخلفهم في الأرض، ثم قال : وكلم الله نبيكم تكليما، واصطفاه لنفسه، .... فقال له رجل من بني إسرائيل : عرفنا الذي تقول، فهل على وجه الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله؟ قال : لا؛ فعتب عليه حين لم يرد العلم إليه، فبعث الله جبريل : أن يا موسى وما يدريك أين أضع علمي؟ بلى إن لي عبدا بمجمع البحرين أعلم منك قال موسى: يا رب كيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتاً فتجعله بمكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم،...) و ذكر الحديث. 

ولهذا قال{ قال ذلك ما كنا نبغي فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فعادا{ فارتداعلى آثارهما}الى صحرة مجمع البحرين أي موسى وفتاه عادا طريقهما { قصصا} يقصان آثار مشيهما،{ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} ، وهذا هو الخضر عليه السلام، حيث وجدا رجل مسجى بثوب، فسلم عليه موسى، فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام؟ فقال موسى : أنا موسى، فقال الخضر: أموسى بني إسرائيل؟ قال: نعم،" أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً * قال إنك لن تستطيع معي صبرا* يا موسى، إني على علم من علم اللّه علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من اللّه علمكه اللّه لا أعلمه. فقال موسى: { ستجدني إن شاء اللّه صابرا ولا أعصي لك أمرا} ، قال له الخضر: { فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} ، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر، فحملوهم بغير نوال، فلما ركبا في السفينة فوجيْ إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى: قد حملونا بغير نول فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها! لقد جئت شيئاً إمراً قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا؟ قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} 

 

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ".كانت الأولى من موسى نسيانا... ثم خرجا من السفينة فبينما هم يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر به فقتله، فقال له موسى: { أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} ، قال وهذه أشد من الأولى، { قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني، قد بلغت من لدني عذرا . فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما، فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} أي مائلاً فأقامه الخضر بيده اي اعاد بناءه{ فأقامه} فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا { لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}

و يتبين دقة التوصيف القرآني وإعجازه اللفظي والعلمي فى توصيف المكان وقد أوضح القرآن الكريم فى عدة آيات توصيفات مختلفة للطبيعة البحرية للبحار والأنهار من مرج البحار أو التقاء البحار أو مجمع البحار في سورة الرحمن آية 20 والفرقان آية 53 وفاطر آية 12

صخرة الحوت

جاء ذكر الصخرة في السرد القرآني فى قول يوشع فتى نبى الله موسى (قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيت الْحُوتَ) ولفظ    : أوينا تعنى الإيواء والمبيت عند الصخرة وفى قوله تعالى (إذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إلى الكَهْفِ) الإيواء هو الإقامة المؤقتة بينما المأوى الاستقرار الدائم قال تعالى (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) النازعات41 ولفظ : الصخرة تعنى الحجر العظيم الصُّلْب والذي يصلح للاحتماء والإيواء .وهذا ينطبق مع الصخرة المشار إليها بالخريطة بموقعها الجغرافي وحجمها الذي يصلح للإيواء وموقعها على البحيرة المائية والتي تتطابق منطقيا وجغرافيا لتسرب الحوت كما هو موضح بالصورة الدائرة الحمراء الصخرة والدائرة الزرقاء السبيل لتسرب الحوت كما يوجد توصيف أخر لهذه الصخرة حيث تتوسط طريق الدخول لرأس محمد وهى الصخرة الوحيدة المناسبة للإيواء والمبيت في طريق السير المستقيم للداخل في عمق يابسة رأس محمد وتمثل نقطة مشاهدة لمجمع البحرين كما تمثل نقطة اليقين للنبي موسى لبلوغه أخر نقطة في اليابسة لمجمع البحرين .

وتوضح الصورة وقوع الصخرة في خط مستقيم في طريق الوصول لأخر نقطة في اليابسة في موقع مجمع البحرين وأن المسافة المرجحة التي قطعها الحوت من الصخرة حتى المياه العميقة تبلغ حوالي 2كم والمسافة التي قطعها نبي الله موسى من نفس الصخرة حتى نقطة الارتداد واكتشاف فقد الحوت توازى نفس المسافة 2كم وهذه الصخرة تتوسط الأحداث وهى نقطة الجمع بين أطراف القصة داخل المنطقة.

 الإعجاز في القصة :-
 بينت القصة أن المهمات الكبرى التي يرتبط بها عز الأمة ونصرها ، ينبغي ألا تفوَّض إلا لحازم فارغِ القلب ، لم تأسره الدنيا ، ولم يشغله المعاش ، ولم تلهه الشهوات ، لأن المتعلق بأمور الدنيا ،وشؤون الحياة والمعاش ، قد يضعف عزمه عن المواجهة والإقدام .
وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم – إلى هذا المعنى في قوله : ( من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد ، كفاه الله هم دنياه ، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا ، لم يبال الله في أي أوديته هلك ) رواه ابن ماجه ، وقوله : ( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمه ، ومن كانت الدنيا همه ، جعل الله فقره بين عينيه ، وفرق عليه شمله ، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ) رواه الترمذي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق