الاثنين، 13 ديسمبر 2021

قصة المؤمن والكافر المتحاورين

عطية مرجان أبوزر
 
يذكر فى هذه القصة ان الانسان مهما اتاه الله من نعم فما عليه غير الشكر وليس الكفر كما ورد في القرآن الكريم "فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا 
 هذا مثل مضروب ولا يلزم أن يكون واقعا. واستدل بقوله تعالى "مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً " وقوله " وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ" والامثال في القران كثيرة .
 
ورد ذكر هذه القصة في  سورة "الكهف"، بعد قصة أصحاب الكهف: الأيات :- من 32 الى 44
" وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا(33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا(44)
القصة:
هذه قصة رجلين أحدهما مؤمن والأخر كافر الأول فقير معدم والآخر ثري متخم الأول يعيش حياة الكفاف والآخر آتاه الله من الأموال والأولاد والخدم والعبيد .
 وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا 
 رجلين كانا ذات يوم صديقين حميمين ثم فرقت بينهما الأيام فصارا عدوين بعد أن كانا كالأخوين المتألفين قيل ان الأول أسمه (تمليخا) وهو المؤمن الشاكر والآخر أسمه (قرطوش) وهو الجاحد الكافر فقد كان الرجلين صديقين وشريكين في تجارة رابحة وذات يوم فض الصديقان الشراكة وقسما المال بالتساوي وقيل ان المال كان حوالي ثمانية آلاف دينار وافترق الصديقان وعمل كل منهما منفردا بما له.
 أما قرطوش فقرر أن يعمل في تجارة الحياة الدنيا الفانية فاشتري أرض وبني دار فاخرة وتزوج أمرآه ثرية واشتري عبيدا وبقرا بمبلغ أربعة آلاف دينار أما تمليخا المؤمن فقرر أن يتاجر بماله في تجارة أخري رابحة هي تجارة للأخرة فاختار ان يتاجر مع الله فاشتري عبيدا واعتقهم لوجه الله واشتري ثيابا وكسا بها العراة من الفقراء والمساكين واشتري طعاما واطعم بها الجياع وهكذا انفق المؤمن تمليخا ماله كله في سبيل الله أما قرطوش الكافر فقد أنعم الله عليه جنينتين وهما بستانان من الخضر والفاكهة وسبحانه القائل وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ "
 ومضت الأيام والسنوات بالصديقين المفترقين وبعد فترة من الزمن نفد كل ما مع تمليخا من أحوال فتذكر صاحبه قرطوش وذهب إليه ليساعده ولكنه نظر اليه في استخفاف وأخذ يفتخر لما صنعه من أموال وجاه فقال لصاحبه(أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ) فإنه اتخذ له بستانين، وهما الجنتان المذكورتان في الآية،  فيهما أعناب ونخل تحف تلك الأعناب، والزروع في خلال ذلك والأنهار متفجرة فيهما للسقي والتنزه، وقد كثرت فيهما الثمار، وكان مراده من هذا التفاخر أنه خير منه، بما ملك في دنياه من جنان واولاد ( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)  وأخذته العزة بالنفس فقال(مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا) حتى ظن لنفسه الخلود فكفر بيوم القيامة فقال : (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً) وزاد في القول : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا)
 إلا أن تمليخا ذكره بالله وأن ذلك من نعم الله
 ولكنه لم يقتنع بذلك فدمر الله لهذا الكافر قرطوش الجنينتين (الحديقتين) فندم علي جحوده وكفره وتمرده وغروره وعرف أخيرا أن له إلها واحدا خالقا رازقا وأنه ما كان يجب عليه أن يشرك به .
قال الله تعالى في هذا مثل الرجل (( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا " وقال أيضا "  لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى)) وأمثال هؤلاء كثر أو كما قال قارون  
 إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أي لعلم الله في أني أستحقه))  وفي هذا وأمثاله توعد ربنا قائلا :- أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ "
 
 وقال تعالى في هؤلاء جميعا محذرا : " وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ))  وقال تعالى: (( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ)

 ولما اغتر هذا الجاهل بما أنعم الله به في الدنيا، فجحد الآخرة وادعى أنها إن وجدت ليجدن عند ربه خيرا مما هو فيه، وبينما صاحبة الفقير المؤمن يستمع لهذا الكلام الضال ," قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ" ثم قال مستهجنا ضلالة صاحبة ((أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا)) 

هذه الأية الكريمة لفت انتباهي فيها قول المتحاور لصديقه "  أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً"  وفي ذلك بيان علم أصحاب ذلك الزمن الغابر من الاقوام بان الانسان خُلق أولا من تراب ثم صار تناسلا يُخلق من نطفه, وذلك من الاعجاز الإخباري للأقوام المعاصرة بأن : العلوم الربانية تنزلت عبر الرسل للإنسان منذ قدوم الازل .وان العلوم تباين حفظها من زمن الى زمن ومن جيل الى جيل  فمن العصور والأمم التي آمنت بالله تعالى جاء أخبارها أنها كانت متعلمة مثقفة علوما حقيقية , بينما الشعوب الضالة عاشت زمنها في جهل وخرافات وسحر وضلال أسود .

 قال هذا المؤمن منبها صاحبة لجحوده ومعلنا عن ايمانه وتقواه : أجحدت المعاد وأنت تعلم أن الله خلقك من تراب، ثم من نطفة ثم صورك أطوارا حتى صرت رجلا سويا سميعا بصيرا، تعلم وتبطش وتفهم، فكيف أنكرت المعاد والله قادر على البداءة(( لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي)) أي؛ لكن أنا أقول بخلاف ما قلت وأعتقد خلاف معتقدك (( هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا))؛ لا أعبد سواه، واعتقد أنه يبعث الأجساد بعد فنائها  ويعيد الأموات ويجمع العظام الرفات، وأعلم أن الله لا شريك له في خلقه ولا في ملكه ولا إله غيره، ثم أرشده إلى ما كان الأولى به أن يسلكه عند دخول جنته فقال: (( وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه)) ولهذا يستحب لكل من أعجبه شيء من ماله أو أهله أو حاله أن يقول كذلك. وفي مثل هذا الامر -  ورد عن رسول الله قوله " ما أنعم الله على عبد نعمة؛ من أهل أو مال أو ولد فيقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله))

ثم قال المؤمن للكافر:(فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ))أي من نعيم ما في الدار الآخرة وعسى أن يؤتيني في الدنيا أيضا ((وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ )) ((فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا))  وهو التراب الأملس الذي لا نبات فيه ((أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا)) مالحا عميقا في الأرض((فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا)) فلا تقدر على استرجاعه قال الله تعالى: ( وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ)

 أي؛ جاءه أمر الله الحق فأحاط بجميع حواصله وخرب جنته ودمرها(( فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا )أي؛ خربت بالكلية،  فلا عودة لها، وذلك ضد ما كان عليه أمل حيث سبق له أن قال: (( مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا )) وندم على ما كان سلف منه من القول الذي كفر بسببه بالله العظيم، فهو يقول:(( يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا)) قال الله تعالى:

(( وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا ))أي؛ لم يكن له أحد يتدارك ما فرط من أمره، وما كان له قدرة في نفسه على شيء من ذلك، كما قال تعالى:(( فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِر))ٍ 

بعد هذه النتيجة من الخسارة والجزاء قال الله تعالى في توجيه عام للناس جميعا  :(( الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ))- (( الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ))

وهذه القصة تضمنت أنه لا ينبغي لأحد أن يركن إلى الحياة الدنيا، ولا يغتر بها، ولا يثق بها، بل يجعل طاعة الله والتوكل عليه في كل حال نصب عينيه، وليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده. وفيها، أن من قدم شيئا على طاعة الله والإنفاق في سبيله، عذب به، وربما سلب منه؛ معاملة له بنقيض قصده. وفيها، أن الواجب قبول نصيحة الأخ المشفق، وأن مخالفته وبال ودمار على من رد النصيحة الصحيحة. وفيها، أن الندامة لا تنفع إذا حان القدر، ونفذ الأمر الحتم. بالله المستعان وعليه التكلان.

https://al-anbea.blogspot.com/p/1.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق