الأحد، 28 نوفمبر 2021

المعجزة التي هزت عرش فرعون

   

عطية مرجان أبوزر


قال الله تعالى إخبارا عن موسى عليه السلام ( قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ، ولي فيها مآرب أخرى )طه 18 .
أيّد الله تبارك وتعالى الأنبياء الكرام بمعجزات باهرات كل نبي حسب متطلبات دعوته وحاجه قومه ومهنة زمانه, ومنها ما أيّد به سيدنا موسى عليه السلام وهي عصاه العجيبة .
ورد في أخبار هذه العصا التي كانت ءاية باهرة حين تحولت بين يدي سيدنا موسى عليه السلام إلى حية حقيقية تمشي بإذن الله وتبتلع الحبال التي أوهم سحرة فرعون لعنه الله الحاضرين أنها ثعابين.هذه العصا كان موسى عليه السلام يتوكأ عليها استعانه بها في المشي والوقوف. ويضرب بها على أغصان الشجر ليسقط ورقها فيسهل على غنمه تناولها فتأكلها. وإذا هجم سبع أو عدو فإنها كانت تقاتله وتحاربه وتبعده عنهم وعنه عليه السلام. وكان يهش بها على غنمه لتعود للقطيع  وقيل ان طولها بلغ عشرة أذرع وهو طول طبيعي متناسب مع طول حاملها.
والمعلوم من القصة القرانية ان موسى عليه السلام أسرى ببني إسرائيل, وعبر بهم طريقًا في البحر, فأتبعهم فرعون بجنوده, فغمرهم من الماء ما لا يعلم كنهه إلا الله, فغرقوا جميعًا ونجا موسى وقومه.
قصة العصا المعجزة :-
التكليف لموسى وأخيه هارون بالمهمة التي سلاحها العصا :
بدأت القصة القرانية عندما قال الله تعالى لنبيه محمد عليه السلام "وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [طه : 9] وبدأ العرض القرآني للقصة "إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى [طه : 10] وكانت هذه القصة قد وقعت عندما كان موسى مسافرا من ارض شعيب عليه السلام الى مصر برفقه زوجته - ابنة شعيب - وقد اظلمت عليه الدنيا فاجلس زوجته في مكان قريب من وادي طوى ليتأنس لهما نارا تنير لهما طريقهما ويستدفأها بها, فلما نزل بالوادي المقدس رأى نارا فذهب باتجاهها " فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى [طه : 11] صوت يناديه ويحاوره وكان هو صوت الله ربه الذي أخبره قائلا "إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [طه : 12] وكان قد وقع اختيار الله سبحانه لموسى فقال له " وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى [طه : 13]إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه : 14] إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه : 15] فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [طه : 16]
وكان موسى انذاك مرتعدا صامتا فسأله الله سبحانه وتعالى ليؤنسه ويحاوره قال:" وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى [طه : 17] " قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى [طه : 18] " قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى [طه : 19] فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى [طه : 20] وها ولى موسى هاربا فناداه ربه سبحانه " قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى [طه : 21] فاخذها موسى فعادت الى حالتها الاولى فقال له ربه " وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى [طه : 22] لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى [طه : 23] 
وبعد ان رأى موسى هاتين الايتين العظيمتين ابلغه ربه تعالى بالمراد فقال " اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه : 24] هنا دعا موسى ربه قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي [25] وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي [26]وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي [27] وبهذا الدعاء كشف القران عن ثقل لسان موسى عليه السلام مبينا " يَفْقَهُوا قَوْلِي [28] وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي [29] هَارُونَ أَخِي[30] اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي [31] وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [32] كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً [33] وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً [34] إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً [35] 
انِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِ
السَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ 
مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه : 39] 
بعد كل هذا الدعاء المطول من موسى استجاب له ربه " قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى [طه : 36]"وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى [طه : 37] وكانت المنة الاولى هي نجاته من القتل طفلا عندما قتل فرعون كل الاطفال الذكور بسبب نبوءة تنبأ بها سحرته ان نبيا سيكون من هذا الجيل يقارع فرعون "إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى [طه : 38 ]أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ  بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه : 39] إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى [طه : 40]

وهنا يبلغ الله تعالى أنه اصطفاه منذ طفولته ليكون نبيا مرسلا فقال له "
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه : 41] "
ويكلف الله رسوله وأخيه هارون بالذهاب الى فرعون مصر " اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي [طه : 42]" اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه : 43] فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [44]وينتقل الحوار هنا من المكان لمكان آخر و زمان آخر حيث تواجد فيه هارون الى جانبآخيه موسى بدليل قول الله تعالى  انهما قالا كليهما "وقَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى [طه : 45] قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [46] فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى [47] إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى [48] 
ويذهب الاخوين الى فرعون في عقر داره متحديان بمعية الله لهما حاملات معجزتي اليد البيضاء والعصا الحية , ويبدأ حوار من نوع آخر مع فرعون :
فرعون :" قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى [49]
موسى:  " قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [50]
فرعون يمتحن موسى بسؤال :قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى [51]
يجيبه موسى " قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى [طه : 52]الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى [53] 
هنا بدأ الغعل الحدثي حيث أرى موسى عصاه لفرعون وهي انقلبت حيه تسعى وآراه يده وقد خرجت من جيبه بيضاء دون اذى فكذب فرعون موسى " وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى [56]
" قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى [57] "
وتوعد فرعون لموسى ان يجلي سحره ويفضح أمره " فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ " ويطلب فرعون من موسى ان يحضر في موعد يضربه له ليواجه سحرته فقال له " فَاجْعَلْ بَيْنَنَا  وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَاناً سُوًى [طه : 58] ويضرب موسى الموعد " :قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى [59]  انظر يوم الزينة 
فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى [60]
وهنا تحول موسى عليه السلام لحوار السحرة الذين آتى بهم فرعون وقد اجتمعوا في المكان والموعد المحدد "قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى [61]
فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى [طه : 62] قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى [63] فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى [64] 
قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى [65]
قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [66]
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى [67]
قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى [68] وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [69]
هنا علم السحرة ان كيدهم قد بطل وان حية موسى ربانية حقيقية "فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى [70]
جن جنون فرعون للمشهد " قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ؟" وسارع بتلفيق التهم لهم فقال "إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ " ثم توعد مزمجرا " فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى [طه : 71]
رد عليه السحرة بجرأة غير معهودة وتحدي " قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [طه : 72] " إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه : 73] إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى [طه : 74] وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى [طه : 75] 
وهنا تنتهي قصة العصا الحية المعجزة الاولى لتنتقل سورة طه الى قصة معجزة العصا وفلق البحر ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق