الأحد، 28 نوفمبر 2021

شق البحر - معجزات موسى عليه السلام

  

  عصا موسى وشق البحر
قال الله جل جلاله" فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ [طه : 78]









 


 
قوله غشيهم صورة من صور الإيماء البلاغي فقوله "ما غشيهم" تهويل بالغرق.
موسى (عليه السلام) في البحر
 أوحى الله تعالى إلى موسى بالخروج من مصر، قرر موسى ـ حسب أمر الله تعالى ـ الهجرة من مصر مع بني إسرائيل أجمع ،فاعد موسى وقومه للرحيل حتى حان الوقت وكانوا يقاربون ثلاثة أرباع المليون، خرج هذا الجمع تحت ظلام الليل، وأسرعوا من المدينة مع موسى وهارون ساروا بكل سرعة وهدوء، حذرين خائفين، وإن جاسوساً واحداً لفرعون يكفي لإدراك الطلب.
وفي أثناء السير ـ والذعر قد أخذ منهم كل مأخذ ـ إذا بهم يصطدمون بالبحر يا لها من مفاجأة! ماذا يصنعون؟ هل يرجعون أو يبقون؟ وكلا الأمرين فيه خطرٌ وأي خطر؟ لا بد وأن يدركهم فرعون، وهناك العذاب والتنكيل.
لمّا رأوا البحر أمامهم، (قال أصحاب موسى إنا لمدركون) يدركنا فرعون وجنوده.
(قال) موسى: (كلاّ إن معي ربّي) يحفظني، ولا يكلني إلى الأعداء فـ(سيهدين) طريق الخلاص ممّا أمامنا من البحر، وممّا وراءنا من فرعون.
وهنا جاءتهم النجدة من الله تعالى، فأوحى إلى موسى: (فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى) فضرب موسى (عليه السلام) عصاه بالبحر، فانجاب الماء، وظهرت في البحر طريقٌ، وكان طول البحر الذي يلزمهم عبوره (أربعة فراسخ) فيا للهول، وقف الماء كأنه جمد، في حافتي الطريق، وفي الوسط طريق لاحب.

خاف أصحاب موسى من العبور قائلين: كيف نعبر في الوحل؟ فأرسل الله الرياح، وأشرقت الشمس في الطريق فيبست، 
(انفلق) الماء ببركة عصا موسى (فكان كل فرق كالطود) أي الجبل العظيم فانسابت القبائل في الطريق المهول، إن الأرض جافةٌ، والشمس مشرقةٌ عليهم، وهم كثرةٌ هائلة، يحدث بعضهم بعضاً، وكلّهم مطمئنّو القلب بحكمة القائد والسائق، واثقين بوعد الله ولطفه.
فقد عرف فرعون بعد لأيٍ أن بني إسرائيل نزحوا عن المدينة، فتعجّب إلى أين ذهبوا؟ وبعد التحقيق تبين أنهم فرّوا ليلاً في اتجاه البحر فثار فرعون وهيّأ جيشاً ضخماً، قوامه مليون وستمائة ألف جندي.
واطمأنّ فرعون بالنصر، فإن الأمر لديه واضحٌ كل الوضوح، إنه ليست هناك سفن تقلّ أصحاب موسى عبر البحر، ولا طاقة لبني إسرائيل حتى يقاوموا جيش فرعون المنظم المسلّح، فما هي إلا عشية أو ضحاها، حتى ينتقم من الفارّين أشد انتقام؟
وهكذا جاء فرعون حتى وصل إلى البحر وهنا رأى العجب! هاهي المياه تراكم بعضاً على بعض، حتى فتحت الطرق! ما أغرب هذا الأمر! وما العمل؟
خاف قوم موسى قائلين: (إنا لمدركون). لكن موسى لم يخف إنه واثق بفضل الله ونجاته. ووصل أصحاب موسى إلى منتصف البحر، حين وصل فرعون إلى أوّله.
لقد خاف فرعون عاقبة الأمر، ولم يدر ماذا يصنع؟ أيرجع؟ وفي رجوعه الفشل الذريع، أم يبقى؟ وما فائدة البقاء؟ أم يسير في البحر وهو لا يأمن الغرق؟ إنه يعلم أنّ الأمر معجزة موسى (عليه السلام)، لكن هل بإمكانه أن يظهر ذلك لقومه، وهو يقول: أنا ربّكم الأعلى؟
وأخيراً قاده غروره، إلى أن يقول لقومه: إن انفلاق البحر معجزة لي، ولمّا علم بأني قاصدٌ صوبه، انجاب إجلالاً لكبريائي.تقدّم منجم فرعون قائلاً له: لا تدخل البحر فإنه خطر. وتوقّف فرس فرعون، فلم يدخل البحر.ومن هناك أراد موسى أن يضرب بعصاه البحر خلفهم، ليرجع الماء كما كان، فلا يلتحق بهم فرعون.لكن كل ذلك لم يحل دون إرادة الله سبحانه.
فلقد أوحى إلى موسى قائلاً: (اترك البحر رهواً) ساكناً حتى يدخله فرعون وجنده (إنهم جند مغرقون). ولم يبال فرعون بقول منجّمه، إذ أبى ذلك غروره وكبرياؤه. فدخل فرعون، ودخل الجيش وراءه. وسار الجمعان أصحاب موسى، وأصحاب فرعون، وليس الفاصل بينهم، إلا ما يقارب نصف البحر، وكلّ قلق خائف: أصحاب موسى من العدوّ، وأصحاب فرعون من الغرق.
صورة تخيلية لانشقاق البحر
وصل أصحاب موسى إلى شاطئ البحر مخلفين وراءهم البحر بطرقه، والعدو الذي يتبعهم حثيثاً.ووصل فرعون وأصحابه إلى وسط البحر...وهنا، أمر الله الماء أن يرجع كما كان، وإذا بجبال الماء تلفُّهم في أعماق البحر، وإذا بهذا الجيش الكثيف يعلو وينزل في الماء، كأنه كرات بيد صبيان، وإذ أدرك فرعون الغرق (قال آمنت إنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) فقد انجاب عنه سحاب الغرور، وظهر لديه عجزه وحقارته، فقال: (وأنا من المسلمين).وهل ينفع هذا الإيمان؟ فإنه (ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن).
 أبقى الله جسد فرعون قائلاً: (فاليوم ننجيك ببدنك) بعد إزهاق روحك (لتكون لمن خلفك آية) وعلامة على هلاكك، وأنك لم تكن ربّاً ـ كما كنت تقول ـ وهل يغرق الرب؟
لقد غرق فرعون وآل فرعون، و(كم تركوا من جنّات) بساتين ونخيل، (وعيون) مياه جارية، (وزروع ومقام كريم) من قصور وبيوت ومساكن، (ونعمة كانوا فيها فاكهين) بكلّ سلام ودعة (كذلك وأورثناها قوماً آخرين) من بني إسرائيل وغيرهم.
ومن طريف ما يحكى: أن امرأة من بني إسرائيل لما عبروا البحر، جلست على الماء تغسل بعض حاجاتها، وإذا بها ترى جثّة فرعون، وضربها الماء حتى أتت الجثّة قرب المرأة، فأخذت المرأة تقتطع بعض الجواهر التي علّقها فرعون في لحيته وتذكّرت هناك قصّة عذابها على أيدي عمّال هذا الطاغية:
فقد كان أمر فرعون جلاوزته بتعذيب بني إسرائيل بأنواع العذاب لعلّهم يرجعون عن الإيمان بإله موسى. تخلّصاً من العذاب، فقد كانوا (يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم) فكانت الجلاوزة تسخّر النساء لأعمال شاقة، حمل الطين وما أشبه على السلالم، إلى السطوح.
وكانت هذه المرأة ـ صاحبة القصّة ـ ممن شملهم العذاب، فقد سخّرت ذات مرّة لرفع الطين، وكانت حاملاً، وفي رجلها قيدٌ، لئلا تهرب، فأدّى الحمل والقيد والطين إلى سقوطها عن الدرج، فرضّت عظامها وأسقطت جنينها.. فرفعت رأسها، وهي مذهولة، وخاطبت ربّها: هل أنت نائم يا رب؟
واليوم حيث أخذت تقتطع جواهر لحية فرعون الغريق، ذكرت القصة، وسمعت منادياً غيبيّاً يجيبها، عن كلامها ذاك: (لا، لسنا نائمين)!!
لقد غرق الطاغية فرعون بعد ما فسد وأفسد، وضلّ وأضلّ، وطغى وتجبّر، فأين فرعون، وأين جلاوزته، وأين جلاّدوه، وأين سجونه، وأين أعوانه وأنصاره؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق